سورة الشعراء - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)}
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن الله تعالى لما أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلى قوم فرعون، طلب موسى عليه السلام أن يبعث معه هرون إليهم، ثم ذكر الأمور الداعية له إلى ذلك السؤال وحاصلها أنه لو لم يكن هرون، لاختلت المصلحة المطلوبة من بعثة موسى عليه السلام، وذلك من وجهين:
الأول: أن فرعون ربما كذبه، والتكذيب سبب لضيق القلب، وضيق القلب سبب لتعسر الكلام على من يكون في لسانه حبسة، لأن عند ضيق القلب تنقبض الروح والحرارة الغريزية إلى باطن القلب، وإذا انقبضا إلى الداخل وخلا منهما الخارج ازدادت الحبسة في اللسان، فالتأذي من التكذيب سبب لضيق القلب، وضيق القلب سبب للحبسة، فلهذا السبب بدأ بخوف التكذيب، ثم ثنى بضيق الصدر، ثم ثلث بعدم انطلاق اللسان.
وأما هرون فهو أفصح لساناً مني وليس في حقه هذا المعنى، فكان إرساله لائقاً الثاني: أن لهم عندي ذنباً فأخاف أن يبادروا إلى قتلي، وحينئذ لا يحصل المقصود من البعثة.
وأما هرون فليس كذلك فيحصل المقصود من البعثة.
المسألة الثانية: قرئ (يضيق) و(ينطلق) بالرفع، لأنهما معطوفان على خبر (أن)، وبالنصب لعطفهما على صلة أن، والمعنى: أخاف أن يكذبون، وأخاف أن يضيق صدري، وأخاف أن لا ينطلق لساني، والفرق أن الرفع يفيد ثلاث علل في طلب إرسال هرون، والنصب يفيد علة واحدة، وهي الخوف من هذه الأمور الثلاثة، فإن قلت: الخوف غم يحصل لتوقع مكروه سيقع وعدم انطلاق اللسان كان حاصلاً، فكيف جاز تعلق الخوف به؟ قلت: قد بينا أن التكذيب الذي سيقع يوجب ضيق القلب، وضيق القلب يوجب زيادة الاحتباس، فتلك الزيادة ما كانت حاصلة في الحال بل كانت متوقعة، فجاز تعليق الخوف عليها.
أما قوله تعالى: {فَأَرْسِلْ إلى هارون} فليس في الظاهر ذكر من الذي يرسل إليه، وفي الخبر أن الله تعالى أرسل موسى عليه السلام إليه، قال السدي: إن موسى عليه السلام سار بأهله إلى مصر والتقى بهرون وهو لا يعرفه، فقال أنا موسى، فتعارفا وأمره أن ينطلق معه إلى فرعون لأداء الرسالة، فصاحت أمهما لخوفهما عليهما فذهبا إليه، ويحتمل أن يكون المراد أرسل إليه جبريل، لأن رسول الله إلى الأنبياء جبريل عليه السلام، فلما كان هو متعيناً لهذا الأمر حذف ذكره لكونه معلوماً، وأيضاً ليس في الظاهر أنه يرسل لماذا، لكن فحوى الكلام يدل على أنه طلبه للمعونة فيما سأل، كما يقال إذا نابتك نائبة، فأرسل إلى فلان أي ليعينك فيها وليس في الظاهر أنه التمس كون هرون نبياً معه، لكن قوله: {فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين} يدل عليه.
أما قوله: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ} فأراد بالذنب قتله القبطي، وقد ذكر الله تعالى هذه القصة مشروحة في سورة القصص.
واعلم أنه ليس في التماس موسى عليه السلام، أن يضم إليه هرون ما يدل على أنه استعفى من الذهاب إلى فرعون بل مقصوده فيما سأل أن يقع ذلك الذهاب على أقوى الوجوه في الوصول إلى المراد، واختلفوا فقال بعضهم إنه وإن كان نبياً فهو غير عالم بأنه يبقى حتى يؤدي الرسالة لأنه إنما أمر بذلك بشرط التمكين، وهذا قول الكعبي وغيره من البغداديين لأنهم يجوزون دخول الشرط في تكليف الله تعالى العبد، والذي ذهب إليه الأكثرون أن ذلك لا يجوز لأنه تعالى إذا أمر فهو عالم بما يتمكن منه المأمور وبأوقات تمكنه، فإذا علم أنه غير متمكن منه فإنه لا يأمره به، وإذا صح ذلك فالأقرب في الأنبياء أنهم يعلمون إذا حملهم الله تعالى الرسالة أنه تعالى يمكنهم من أدائها وأنهم سيبقون إلى ذلك الوقت، ومثل ذلك لا يكون إغراء في الأنبياء وإن جاز أن يكون إغراء في غيرهم.
المسألة الثالثة: لقائل أن يقول قول موسى عليه السلام: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ} هل يدل على صدور الذنب منه؟ جوابه: لا والمراد لهم عليَّ ذنب في زعمهم.


{قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)}
اعلم أن موسى عليه السلام طلب أمرين: الأول: أن يدفع عنه شرهم والثاني: أن يرسل معه هرون فأجابه الله تعالى إلى الأول بقوله: {كَلاَّ} ومعناه ارتدع يا موسى عما تظن وأجابه إلى الثاني بقوله: {فاذهبا} أي اذهب أنت والذي طلبته وهو هرون فإن قيل علام عطف قوله: {فاذهبا} قلنا على الفعل الذي يدل عليه (كلا) كأنه قال: ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت وهرون.
وأما قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ} فمن مجاز الكلام يريد أنا لكما ولعدوكما كالناصر الظهير لكما عليه إذاً أحضر وأستمع ما يجري بينكما فأظهركما عليه وأعليكما وأكسر شوكته عنكما، وإنما جعلنا الاستماع مجازاً لأن الاستماع عبارة عن الإصغاء وذلك على الله تعالى محال.
وأما قوله: {إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين} ففيه سؤال وهو أنه هلا ثنى الرسول كما ثنى في قوله: {إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} جوابه من وجوه:
أحدها: أن الرسول اسم للماهية من غير بيان أن تلك الماهية واحدة أو كثيرة والألف واللام لا يفيدان إلا الوحدة لا الاستغراق، بدليل أنك تقول الإنسان هو الضحاك ولا تقول كل إنسان هو الضحاك ولا أيضاً هذا الإنسان هو الضحاك، وإذا ثبت أن لفظ الرسول لا يفيد إلا الماهية وثبت أن الماهية محمولة على الواحد وعلى الاثنين ثبت صحة قوله: {إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين}.
وثانيها: أن الرسول قد يكون بمعنى الرسالة قال الشاعر:
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم *** بسر ولا أرسلتهم برسول
فيكون المعنى إنا ذو رسالة رب العالمين.
وثالثها: أنهما لاتفاقهما على شريعة واحدة واتحادهما بسبب الأخوة كأنهما رسول واحد.
ورابعها: المراد كل واحد منا رسول.
وخامسها: ما قاله بعضهم أنه إنما قال ذلك لا بلفظ التثنية لكونه هو الرسول خاصة وقوله: {إنا} فكما في قوله تعالى: {إِنَّا أنزلناه} [يوسف: 2] وهو ضعيف.
وأما قوله: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسراءيل} فالمراد من هذا الإرسال التخلية والإطلاق كقولك أرسل البازي، يريد خلهم يذهبوا معنا.


{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)}
اعلم أن في الكلام حذفاً وهو أنهما أتياه وقالا ما أمر الله به فعند ذلك قال فرعون ما قال، يروى أنهما انطلقا إلى باب فرعون فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب: إن هاهنا إنساناً يزعم أنه رسول رب العالمين، فقال ائذن له لعلنا نضحك منه، فأديا إليه الرسالة فعرف موسى عليه السلام فعدد عليه نعمه أولاً، ثم إساءة موسى إليه ثانياً، أما النعم فهي قوله: {أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً} والوليد: الصبي لقرب عهده من الولادة {وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ} وعن أبي عمرو بسكون الميم {سِنِينَ} قيل لبث عندهم ثلاثين سنة وقيل وكز القبطي وهو ابن اثنتي عشرة سنة وفر منهم (على أثرها)، والله أعلم بصحيح ذلك، وعن الشعبي {فَعْلَتَكَ} بالكسر وهي قتله القبطي لأنه قتله بالوكز وهو ضرب من القتل، وأما الفعلة فلأنها (كانت) وكزة واحدة عدد عليه نعمه من تربيته وتبليغه مبلغ الرجال ووبخه بما جرى على يده من قتل خبازه وعظم ذلك (وفظعه) بقوله: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التى فَعَلْتَ}.
وأما قوله: {وَأَنتَ مِنَ الكافرين} ففيه وجوه:
أحدها: يجوز أن يكون حالاً أي قتلته وأنت بذاك من الكافرين بنعمتي.
وثانيها: وأنت إذ ذاك ممن تكفرهم الساعة وقد افترى عليه أو جهل أمره لأنه كان (يعاشرهم) بالتقية فإن الكفر غير جائز على الأنبياء قبل النبوة.
وثالثها: {وَأَنتَ مِنَ الكافرين} معناه وأنت ممن عادته كفران النعم ومن كان هذا حاله لم يستبعد منه قتل خواص ولي نعمته.
ورابعها: {وَأَنتَ مِنَ الكافرين} بفرعون وإلهيته أو من الذين (كانوا) يكفرون في دينهم فقد كانت لهم آلهة يعبدونها، يشهد بذلك قوله تعالى: {وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ} [الأعراف: 127].

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8